المقال في احدى الصحف
كل واحد منكم اليوم لا يستطيع أن يعيش حياته بشكل طبيعي مالم يحفظ مجموعة من الأرقام السرية، رقم سري لجهاز الصراف كي يحصل على المال الذي يحتاجه، رقم سري لبريده الإلكتروني كي يتواصل مع العالم، رقم سري لشريحة جواله، وربما رقم سري لبوابة العمل وبطاقة الائتمان وصندوق المحفوظات في النادي ... إلخ.
وعادة ما يتذكر الإنسان هذه الأرقام بشكل تلقائي وتتجه إليها أصابعه دون أن يستغرق وقتا في التفكير حيث تغلغلت هذه الأرقام السرية إلى عقله الباطن في هذا الزمن الإلكتروني الذي اختفت فيه المفاتيح والأقفال، ونحن اليوم بأمس الحاجة إلى أرقام سرية لفتح الدماغ كي نستطيع التمييز بين الواقع والخرافة بعد أن أصبحت جرائدنا تعج بأخبار السحر والشعوذة وتستعرض صور الطلاسم التي نجحت فرق مكافحة السحر والشعوذة في هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في ضبطها والتوصل إلى أرقامها السرية مثل رأس الذئب النافق في تبوك أو أكوام الطلاسم التي استخرجت من بطن طفل في حائل!.
الإسلام هو دين العقل والعلم والعمل، لذا فإن الغرق في عالم الماورائيات ومحاربة الجن والقوى الخفية في العالم السفلي سوف يبعدنا عن جوهر الدين الحنيف ويجعل حياتنا مثل حياة القبائل الأفريقية التي خرجت من التاريخ بسبب انشغالها في مطاردة كائنات لا تراها، وأنا اليوم كإنسان بسيط في القرن الواحد والعشرين لا أستطيع أن أفهم طبيعة عمل موظف حكومي يأخذ راتبه مقابل فك الطلاسم السحرية مثلما يفعل العاملون في وحدة مكافحة السحر والشعوذة! لا أعرف ما هي المؤهلات والخبرات والشهادات التي تجعل أي شخص جدير بهذه الوظيفة العجيبة؟ قد تقولون لي: ليس مهما أن تفهم؟! وعليك أن تصدق كل شيء دون تفكير، وهنا نكون قد أدخلنا عقولنا في ظلمة الأدغال الأفريقية وعلينا أن لا نسخر من الآخرين لأننا أصبحنا أسوأ منهم!.
قبل ثلاثة أسابيع جلست مع الصديق طارق الشامخ على شاطئ أبحر وكان يحمل معه جريدتين الأولى أمريكية والثانية سعودية، أشار إلى خبر في الصحيفة الأمريكية عن إصلاح مسبار في محطة فضائية عبر تقنية التوجيه عن بعد ثم أشار إلى خبر فك طلاسم سحرية في جريدة سعودية وقال لي: (باختصار هؤلاء القوم يعيشون في عام 2011 ونحن نعيش في عام 1432 .. الفارق أكثر من خمسة قرون وعليك الحساب)!.