الرتبة : المشاركات : 804 تاريخ التسجيل : 24/02/2009
موضوع: الشياطين الموثقة و الشياطين المطلقة الأحد أغسطس 23, 2009 9:05 pm
الشياطين الموثقة والشياطين المطلقة ! عبد اللطيف بن هاجسالغامدي بسم الله الرحمنالرحيم
من أعظم ماميّز الله به شهر رمضان المبارك؛ تصفيد الشياطين فيه، وإراحة الخلق من شرِّهموضُرِّهم، وترك الفرصة مواتية لمن أسرف على نفسه بالذنوب أن يتوب، فمن صفَّدتهالشياطين على مدى عامه المنصرم فلا يتحرك إلا في رضاها تغيّر به الحال فصار القيدعلى عدوّه، وأطلقه الله بعد قيده، وحرّره من أسر خصمه، فماذا بقي له إلا الفرار إلىالله؟! فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " إذا دخل شهر رمضانفتحت أبواب الجنة، و غلقت أبواب جهنم، و سلسلت الشياطين "1. وعنه - رضيالله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " أتاكم شهر رمضان، شهرمبارك، فرض الله عليكم صيامه، تفتح فيه أبواب الجنة، و تغلق فيه أبواب الجحيم، وتغل فيه مردة الشياطين، و فيه ليلة هي خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم " 2. وعنه - رضيالله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: " إذا كان أول ليلة من شهررمضان صفدت الشياطين و مردة الجن، و غلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب، و فتحتأبواب الجنة فلم يغلق منها باب، و ينادي مناد كل ليلة: يا باغي الخير أقبل، و ياباغي الشر أقصر، و لله عتقاء من النار، و ذلك كل ليلة "3. فرمضان فرصةعظيمة لكل مذنب ـ وكلنا ذاك الرجل ـ أن ينطلق في باحة الطاعة الرحبة بعد أن كان فيقبضة الشيطان أو كاد، بعد أن فُكَّت عنه القيود، و حُلَّت الأصفاد. ويعجب البعض منجرأة الناس على انتهاك حرمة الشهر المبارك بالولوج إلى سجن المعصية، والتلطخ بأوحالالذنوب، والوقوع في شراك السيئة، وقد فُقد المحرِّض، وزال الموسوس، وغاب المُزين … فما معنىتصفيد الشياطين وما زال الناس يقعون في الذنوب والمعاصي؟!
والحقيقة أن هذاسؤال مهم، والأهم منه أن نُجيب عليه.. فنقول ـ وباللهنصول ونجول: إنه لا يمكن لذي عينين أن يُنكر إقبال الناس على الخير في رمضان، وكفِّالكثير منهم عن الكثير من الذنوب والعصيان، فها أنت ترى المساجد تمتلئ بعد قطيعة،والفقراء يغتنون بعد مسغبة، والقرآن يُتلى بعد هجر، وترى معالم الإيثار بعد مظاهرالأثرة، وتبصر النفوس تسكن، والضمائر ترتاح، والقلوب ترضى، والصلات تعود، والروابطتقوى، وغير ذلك مما لا تكاد تراه في غير رمضان، فهذا دليل ظاهر على الإقبال بعدالإدبار، والرجوع عقب التولي، وفي أعداد التائبين الرمضانيين ما يفوق العد والحصر،والمرد في ذلك الخير إلى تصفيد الشياطين وسلسلتهم لمنعهم من وسوستهم …
ومن الردود علىهذا الإشكال والإجابة على السؤال، نقول: * أن الشياطينلا تخلص فيه لِما كانت تخلص إليه في غيره، فتضعف قواها، وتقل وسوستها، لكنها لاتنعدم بالكلية.. * وربما أنالمراد بالتصفيد والسلسلة إنما هي للمردة ورؤوس الشياطين، دونما من دونهم، فيفعلالصغار ما عجز عن بعضه الكبار، وقيل العكس، فالمصفد الصغار، والمطلوق كبيرهم وزعيممكرهم وكيدهم لأن الله أجاب دعوته بأن ينظره إلى يوم يبعثون، ليواصل الإغواءوالإغراء والإضلال، وفي كلا الحالين فالعدد يقل، والوسوسة تضعف.. * وربما أنالمراد أن الصيام يستلزم الجوع، وضعف القوى في العروق وهي مجاري الشيطان فيالأبدان، فيضعف تحركهم في البدن كأنهم مسلسلون مصفَّدون، لا يستطيعون حراكاً إلابعسر وصعوبة، فلا يبقى للشيطان على الإنسان سلطان كما في حال الشبع والري.. * وربما أنالمراد أن الشياطين إنما تُغل عن الصائمين المعظمين لصيامهم، والقائمين به على وجهالكمال، والمحققين لشروطه ولوازمه وآدابه وأخلاقه، أما من صام بطنه ولم تصم جوارحهولم يأت بآداب الصيام على وجه التمام، فليس ذلك بأهل لتصفيد الشياطين عنه.. * وربما أنالمراد أن الشياطين يصفدون على وجه الحقيقة، ويقيدون بالسلاسل والأغلال، فلايوسوسون للصائم، ولا يؤثرون عليه، والمعاصي إنما تأتيه من غيرهم كالنفس الأمارةبالسوء.. والله أعلمبالمراد …
ومن المعلومالمفهوم والمحسوس الملموس أن الشياطين ينقسمون إلى شياطين إنس وشياطين جن، فمنيحمينا من شياطين الإنس الذين ينشط بعضهم في رمضان أكثر من أي شهر آخر؟! فهم يقومونبدور إبليس على أكمل وجه، ويحتلون مكان الشيطان على أتمِّ صورة، ويهتفون في مسمعهالبغيض، نم فإن عليك شهر طويل عريض، ونحن على آثارك مهتدون، وبدورك قائمون، وعنمهام حزبك مناضلون، ونظرة منك فاحصة لِما يُعرض في أكثر القنوات الفضائية في رمضانيثبت لك ما يقوم به شياطين الإنس من سوء وفحش يعجز عن إخوانهم المصفدين، فيا ليتشعري متى نرى القيود والأصفاد في أرجل هؤلاء الشياطين المفسدين، نعوذ بالله منهمأجمعين!
------------------------------------------------------------- 1 صحيح البخاريومسلم 2 أخرجه أحمدفي المسند والنسائي في السنن، انظر: صحيح الجامع رقم 55 3 أخرجهالترمذي والبيهقي وابن حبان والحاكم، انظر: صحيح الجامع رقم 759